السبت، 3 مايو 2014

الأول من أيار .. دعم الحكومات للعمال بغزة :عشرون دولار سنوياً فقط !؟


الأول من أيار ..  دعم الحكومات للعمال بغزة :عشرون دولار سنوياً فقط !؟

     في زمن الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، استوقفني مشهد أحد رؤساء الدول العربية عندما كان يطل على القناة التلفزيونية الرسمية خلال مشاركته في إفتتاح المشاريع الاقتصادية، كنت أشاهد السعادة في وجهه، والفرح يسطع من عينيه المغطاة بنظارة شمسية، ولاحقاً عرفت أن مصدر هذا الشعور كون المشاريع ستستوعب أعداد من العمال وتحميهم من البطالة وتنقذهم من آفة الفقر والجوع.

   وفي نفس الفترة أيضاً في قطاع غزة كانت تستوقفني مشاهد أرتال من المركبات والحافلات التي كانت تقل العمال و وتسير على طريق صلاح الدين لحظة غروب شمس يوم الجمعة الذي يعتبر نهاية الاسبوع لهؤلاء العمال، حركة المركبات قادمة من الشمال حيث معبر بيت حانون (ايرز)، إلى المناطق الجنوبية حيث يقطن هؤلاء العمال. وتشاهد على ظهرها الحقائب والأكياس، فكل عامل جلب لأسرته هدية بعد غياب لأسبوع كامل في مكان عمله.        ولا يتوقف المشهد عند هذا الحد  فمع بزوغ شمس يوم السبت تجد الأسواق تعج بالباعة والمشترين، وتشاهد العمال الذين ينهالوا على البضائع والخضروات، يملؤون أكياسهم ويعودوا بها إلى بيوتهم سعداء فراحين هم و أسرهم وأطفالهم. وبذلك يسجلوا أفضل ظاهرة اقتصادية عرفها قطاع غزة، فقد قدر خبراء الاقتصاد ان دخل العمال كان يشكل ثلث الدخل القومي في المناطق الفلسطينية أنذلك. وبذلك استفاد جميع فئات الشعب من دخلهم، التجار بمستوياتهم المختلفة على سبيل المثال لا الحصر، فقد حدثني أحد التجار المخضرمين عن السلوك الاستهلاكي للعمال، قائلاً: " هم الأقل مجادلة والأكثر انفاقاً، يليهم شريحة الموظفين الحكوميين.."
....  لكن سرعان ما تغيرت الظروف وتدهورت الأوضاع خلال العقد الأخير، وتحديداً عام 2004، عندما أحكمت قوات الاحتلال الإسرائيلي إغلاقها لمعبر الأفراد بيت حانون (ايرز)، وأصبح حال هؤلاء العمال بين مطرقة الإغلاق وسندان الإهمال الحكومي. فقد بلغت قيمة المنح والدعم الحكومي لشريحة العمال خلال العشر سنوات الماضية أي من عام (2004) حتى (2014)، ما مقداره (200$) فقط، حصل عليها العامل من الحكومتين، وبتوزيع المبلغ المذكور على السنوات يصبح معدل ما حصل عليه العامل (20$) سنوياً، ومنذ ذلك الوقت يعيش هؤلاء العمال في ظروف أقل ما توصف بالمأساوية، يتألمون في صمت دون أن يشعر بهم أحد.
     استوقفني أحد العمال وحدثني عن ظروفه المعيشية جراء إغلاق معبر (ايرز)، و قال لي: أن يديه ساهمت في بناء مئات الشقق السكنية في المدن داخل اسرائيل، لكن للأسف اليوم يعيش هو وأفراد اسرته ال(11 فرد)، في بيت بالإيجار، ويضيف العامل علي الحواجري أنه يعمل في قطاع الإنشاءات منذ عام (1989) واستمر في عمله حتى نيسان 2004، العام الذي اغتيل فيه الشيخ احمد ياسين، بعدها أحكم الاحتلال الاسرائيلي إغلاق معبر (ايرز)، ومنع العمال من الوصول لأماكن عملهم داخل اسرائيل، وتحدث الرجل عن معاناته قائلاً أن ابنته الأكبر انهت بنجاح درجة الدبلوم، وابنته الاصغر نجحت في الثانوية العامة ولم يتمكن من تغطية رسوم دراستها الجامعية، ويصف ان معاناته مضاعفة كونه يحمل همين متلازمين: الأول كيفية تدبير ثمن الإيجار، والثاني كيفية تغطية المصروفات اليومية التي تزداد وتكبر مع ازدياد وتقدم الأولاد في العمر، ولم يخف شعوره النبيل الممزوج بالغصة والألم والحرص على عدم التسول وقال: " يجاورني في السكن مسئول كبير في أحد المؤسسات الإنسانية الاغاثية ولكنني أتعفف عن طلبه المساعدة بوظيفة أو طرد غذائي، حتى لا يفسر أنه ضرب من ضروب التطفل وطلب الصدقة.
ويلخص الحواجري حجم الدعم الحكومي الذي تلقاه ويقول: حصلت خلال العشرة أعوام الماضية على دفعتين من المساعدات من حكومة رام الله، وغزة،  قيمة كل دفعة (100 دولار)، ويضيف: أن الإنفراجة العمرانية منذ عامين ساعدته على العمل لكن الفرصة كانت متقطعة وهي متوقفة الأن بسبب تدهور الأوضاع وغياب كيس الاسمنت من السوق.
وأطلق الحواجري مناشدة للمؤسسات الحكومية قائلاً إن تعذر عليكم استيعابي في وظيفة نظراً لتقدمي في العمر، فبإمكانهم تعيين أحد أبنائي كي يعيل الأسرة.
    الحكاية الأخرى من نصيب العامل المتوقف عن العمل عزاة العطاونة، و يقول: أن حصيلة زواجه منذ عام 1989، كانت (9 أفراد)، وهو متوقف عن العمل منذ عام 2004، حيث كان يعمل في مجال الانشاءات، يقول الرجل: إن الدعم الحكومي للعمال كان خلال الأعوام الماضية (200 دولار) فقطـ،  وعمل هو ايضاً في برنامج البطالة في وكالة الغوث لمدة (9 شهور)، هذه هي الفرصة التي حصل عليها،  ونظراً لتدهور الاوضاع الاقتصادية في قطاع غزة لاسيما بعد الحصار المشدد لم يعد بسهولة العثور على فرصة عمل، وناشد العطاونة المسئولين بتفعيل الضمان الاجتماعي لحماية أسرهم من الفقر والعوز الشديد، وأكد أن معظم العمال لا ينتمون للتنظيمات والأحزاب وبالتالي حقوقهم مهدورة، وناشد الرئيس أبو مازن أن يجد حلول تساعدهم على العيش بكرامة.
   شهد العقد الأخير أطول فترة إغلاق وحرمان بحق ما اصطلح على تسميته (عمال اسرائيل)، جراء منعهم من الوصول لأماكن عملهم، وخلال هذا الانتظار الطويل فارق الألاف من العمال الحياة وقضوا نحبهم، وجزء كبير منهم لا يزال يعاني من أمراض مزمنة، أما الجزء المتبقي ينتظر أمل تحسين أوضاعهم. وهذا يضعنا أمام سؤالين؟ الأول للمسئولين عن التنظيمات والأحزاب في الساحة الفلسطينية والتي أنفقت الملايين على الفعاليات الحزبية، منها إحياء الانطلاقات المختلفة .. وطباعة البوسترات .. والإعلانات. ألم يكن من الأجدر استثمار هذه الأموال التي ذهبت أدراج الرياح في مصلحة أو منشأة اقتصادية تستوعب العمال وتفتح بيوت وتستر عائلات؟.  وبدلاً من إطلاق الشعارات الرنانة من على منصات المهرجانات ونثر الكلام المعسول، ألم يكن الإعلان عن افتتاح منشأة اقتصادية تدر دخل على الاسر الفقيرة هو أفضل من الكلام والعبارات التي عمقت الكراهية بين صفوف المجتمع؟؟!! ألا تستحق ظاهرة الفتية والشبان الذين يتسللوا إلى داخل اسرائيل عبر اجتياز حدود الفصل، بهدف البحث عن عمل،  وجميعهم ينتهى بهم المطاف إما بالموت أو الإصابة وفي أحسن الأحوال يلقى في السجن، ألا تستحق هذه الظاهرة الخطيرة حراك حقيقي ومسئول من الأحزاب والتنظيمات التي تحتكر القوافل والمساعدات والدعم... ؟؟!!
اضافة لذلك هل يعقل ترك هذه الشريحة التي كانت تتغنى وزارة الاقتصاد الوطني بمساهمتهم الكبيرة في الدخل القومي، لماذا لم تنجح الجهات الحكومية في وضع اليات وبرامج دعم مساند تضمن عيش كريم لهم ولأطفالهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق